مقدمة
لاراء المفكر المؤثر في التشيع الثوري أو المثقف المحارب :
لن يتم
التوسع وبذل مجهود في التعريف بحياة علي شريعتي و فكره . الغرض من هذا المقال هو
تمهيد موجز لجزء محدد من افكاره و التي لاقت قدر كبير من الاهتمام و النقد في المناخ
الفكري بعد الثورة الايرانية : أو مايسمى بـ " أدلجة الإسلام " .
علي
شريعتي ( 1933-75 ) بلا شك كان احد اهم منّظري إسلاميي ما قبل الثورة , و خاصة من
حيث أنه جعل الإسلام قوة سياسية للعديد من شبان وشابات الطبقة المتوسطة التقليدية
الايرانية . قَدِم معظمهم من بلدات وقرى للدراسة في جامعة طهران أو الجامعة التي
تأسست مؤخرا "اريا مهر للتكنولوجيا" والتي تعرف اليوم باسم جامعة شريف
التقنية منتفعين من منح الحكومة. شريعتي من بين الاخرين قدم التشيع بشكل مغري و
فاتن خاصة لأولئك الذين تلقوا تعليماً في العلوم الحديثة , وأقل في العلوم
الإنسانية,و تربوا في عائلات شيعية متدينة.
هؤلاء
الرجال و النساء بعيدين سياسيا عن النظام البهلوي و رجال الدين التقليدين، و تسلسله
الهرمي الصارم في نظام المرجعية و اتباعهم "المقلديّن" المذعنين لهم.
لقد حوصروا عاطفيًا ونفسيًا ما بين إيمانهم الذي تربوا عليه ورغبتهم بأن يستجيب
دينهم لتطلعاتهم واحتياجاتهم المعاصرة، والتي سُيسَت على نحو متزايد.... اما من
كانوا متأثرين بخطاب شريعتي و ومنجذبين للجماعات السياسية كـ حركة مجاهدي خلق ,
الصراع السياسي ضد اتواقراطية الشاه وارتفاع معدل الظلم الاجتماعي-الاقتصادي كان
اولويتهم.
بإعادة
احياء الاساطير والقصص و الشخصيات من العهود الاولى للاسلام خاصة من الطائفة
الشيعية , برز خطاب ديني لينافس الايدولوجيات العلمانية و اصناف المذاهب الماركسية
التي كان ينادي بها حزب "توده" الشيوعي , و فاديان خلق "سازمان فدائیان
خلق ایران" . كما كان لشريعتي تأثير ملحوظ على مجموعات ثورية بارزة كمجاهدي
خلق , فالعكس ايضا كذلك .
انتقاده كثيرًا سلبية رجال الدين و الادعاء بأنهم الممثل
الشرعي الوحيد للإمام الغائب كان لها صدى بين الشباب الايراني المتدين وأصحاب المهن ,و الشباب الايراني
المتعلم. لهذا السبب اُعتبر شخصية انتقالية وانقسامية. فقد كان داعيًا لعقيدة جامدة والتي يُجادّل بأنها وفرت
غطاء للعديد من الافكار الاستبدادية و النخبوية"elite" و التي قد
تكون عنيفة. و في صعيد اخر صارع من اجل كسر احتكار رجال الدين للمعرفة الدينية و
تعزيز حق الفرد في الاجتهاد دون تلقي تدريب المعاهد الدينية. كسره لـ التقليد سمح
له بتأويل التشيع بطريقة غير تقليدية, بعيد جدًا عن النظرة
"الارثوذكسية" بسببها تلقى العديد من الاستحسان والتملق, و الكثير من
الاعداء ايضاً من المؤسسة الدينية . آية الله الخميني استطاع بمهارة قبل الثورة ان
يبقى رأيه غامض نحو شريعتي متمنيا ان لا يُنفّر اي حليف ولا الشباب الذين قبلوه كـ
قائد فكري و معلم .
فكر شريعتي بلا شك كان مؤثرا على اعضاء من نخبة الجمهورية
الاسلامية على الرغم من تجاهلهم العديد من افكاره خصوصا عدم قبوله نظام رجال الدين,
وبشكل او باخر قد تشربوا قدر كبير من خطابه,و الذي ساعدهم في مواجهة منافسيهم
اليسارين وإظهار أٌلفتهم مع الافكار والفلسفة السياسية الحديثة. هذا التناضح ظهر
بشكل تنافسي,مُمثلًا بالصدع الخطير الذي ظهر بين شريعتي و مرتضى مطهري,احد طلاب و وحلفاء
الخميني,هذا يُظهر العلاقه الغامضة بين القادة الدينين لـ دولة ما بعد الثورة مع
المُنّظر العامي الكاريزمي (بمعنى خارج سلك
القادة الدينين) ,. مطهري باحث بارز و الذي ذهب بعيداً لحد تسميته "
المُنظّر الايدولوجي للثورة الإسلامية " بلا شك لعب دور هام في " أدلجة
الاسلام " و في ظهور " اللاهوت الجديد ( ثيولوجي) " ( علم الكلام
الجديد ) , و الذي تلقاه المثقفين المتدينين مـا بعد الثورة و طوروه بمختلف
الاتجاهات .
محاولة شريعتي الاشهر لتحويل التشيع لإيدولجيا للنضال الثوري
تتجسد بالانقسام المختلق بين " التشيع العلوي " و "التشيع التشيع
الصفوي " . التشيع العلوي أو تشيع علي و ذريته,في فكر شريعتي كان قبل كل شيء
كـ كلمة " لا " و حركة احتجاج على الوضع الراهن ( يشبه بشكل كبير تمرد
البير كامو , والذي كان مألوفا عند شريعتي ) , حيث يقول :
" الإسلام كان الدين الذي دخل تاريخ البشرية بـ الـ
" لا " المحمدية , و صدع بها وإرث ابراهيم و بإعلاء توحيد الخالق ووحدة
الخلق : " لا " بدأت بشعار التوحيد , الشعار الذي واجه به الاسلام الشرك
, دين الاستقراطية و المنتفعين
و التشيع كان إسلام " لا " علي العظيمة – وإرث
محمد و إعلاء إسلام العدالة و الحق.والتي وضعت شخصية واتجاه واضح في تاريخ الاسلام
"
يكمل :
" في مدرسة علي..الشيعة , تجسد معاناة و امال الجموع
البريئة المتمردة ضد ظلم الحكام ,وشعارها الأساسي : للتحرر من سلطان الطاغوت (
ولاية الجور) = (ولاية علي) ثم– الإمامة -ثم العدل
في نظر شريعتي جاء التشيع
الصفوي ليقف مع الدولة و السلبية السياسية و التقاعس عن العمل و الاستبداد و
الركود و الاستغلال الطبقي و القراءة الرجعية المتحجرة للتشيع .. أتاح التشيع
"العلوي" لشريعتي الإجابة على سؤال " ما الذي يجب عمله " وهو
السؤال الذي يكتبه عادة بأعماله,لاشك انها مقتبسة من الدعايه اللينينه ( لينين ) .
وفي عمل آخر,شريعتي يذهب
للحد الذي يقول فيه احيانا ان العمل مُقدم على الإيمان , التشيع العلوي بالنسبه
لشريعتي كان قوة ثورية تاريخيا , كان جهادا مستمراً, على المستوى النظري والممارسة
ضد كل نظام مستبد متشبث بقمع الطبقات و التمييز الهرمي(الكهنوتي) , التشيع العلوي
كان " حزباً ثوري مسلح " يملك ايدولجيا عميقة واضحة. و انطلاقا من هذا
"إسلام" شريعتي مع بلاغته الخطابية كان " دنيوي " في جوهره, و
مشروع سياسي,وهنا لعب هذا المذهب العقائدي دور المستنير كدعاية ترويجية لمسؤولية
اجتماعية,و هنا يكمن تفرد اسلام شريعتي , على عكس الاديان الاخرى , فهو لا ينفصل
عن السياسية .
هذا ما يقودنا إلى ما يسمى
" مفارقة شريعتي " paradox , حيث أن التشيع عند شريعتي كان سياسيا , فمع تأسيس حكومتها الخاصه ستتعارض مع نشاطها و وظيفتها
التنويرية الثورية كضمير الشعب , كما يقول " بعد الاستيلاء على السلطة ,
التشيع سيصبح متحكم بمصيره ومصير المجتمع , لكنه سيصل لمرحلة الجمود "
.. بهذه النظرة يمكننا القول بأن إمتلاك
التشيع قوة السلطة مفسدة.
وعلى عكس الكثير من
الإسلاميين,شريعتي اوصى بأن تكون الشريعة متلائمة مع ظروف الزمان والمكان
والاحتياجات الاساسية للناس,وعلى الرغم من هذا اللين والبراغماتية الظاهرة,"الظروف"
و"احتياجات الناس" تقررها السياسة,والتشيع عند شريعتي كان "حزب
كامل" حزب بايدولجيا قوية خاصة بها,اسماها "الايدولجية
الابراهيمية"وهي عقيدة جميع الأنبياء,التي دُعي الناس لها لتقودهم للخلاص
والعدل", ويزيد"الايدولجيا هي إيمان مبني على الوعي بالذات والتوجيه
والفداء والكمال والقيمة والمثل العليا والمسؤولية" الايدولوجيا تولد الوعي
الذاتي وتخلق القيم,وتدفع المرء للفعل,ويدعّي بأن "الايدولوجيا تخلقك"
مقتبسّا ماركس في تعليقه على فيورباخ,وبينما يراقب العَالِم والفيلسوف العالم,تقوم
الايدولوجيا بعكس هذا,فتأمر بالخير وتمنع الشر,ولها قدرة لامثيل لها على التدمير
والبناء على حد سواء .. " الايدولوجيا تخبرنا بما يجب أن يكون عليه
الأمر..الفلسفة والعلم تخبرنا ماعليه الأمور فقط"
الأمر الجاذب في
الايدولوجيا بالنسبة لشريعتي اعتقاده بأنها تهب معتنقها القدرة على تغيير العالم
من حوله.وبشكل أكثر تحديدًا,تعطيه القدرة على التحول الراديكالي لمجتمعه والعلاقات
الاجتماعية السائدة داخله.يسمح التطبيق العملي للايدويولجيا بكسر قيود العبودية
وتحرير نفسه ومن حوله,يدّعي شريعتي بأن الايدولوجيا بجانبها النبيل
والتقدمي,تتوافق وتتحدث نفس لغة الإسلام,الذي هو الدين الكامل,والفروق بين الإسلام
والايدولوجيات التقدمية لايكاد يذكر:
الايدولوجيا:
رسالة – مهمة – التزام –
مسؤولية – نضال – الناس
الإسلام:
دعوة – مهمة – واجب –
مسؤولية – جهاد – الناس
ويذهب شريعتي لأبعد من
ذلك,حيث ينص بشكل واضح بأن "الإسلام هو ايديولوجية وليست ثقافة أو فلسفة أو
علم"
الإسلام والايديولجيا
كلاهما عبارة عن مهمة ونضال باسم الناس,بالنسبة له,طبيعة الإنسان الحقيقية
وانثروبيولوجيته الفلسفية المتمردة و الطوباوية,يمكن أن تُفهم في نزعة الإنسان
لإكتساب الايدولوجيا "فعلى الاغلب,كل إنسان على مدار كل عصر في التاريخ يبني
يوتوبيته الخاصة في عقله وفقًا لفهمه الخاص والأمور التي يجيدها"
كما هو الحال في كتابات الإسلاميين الإيرانيين مثل نواب صفوي
وخميني ، فإن الجهد المتضافر لتخيل مجتمع مثالي خالٍ من التناقضات
والإخفاقات يمر عبر تأملات شريعتي وخطاباته البلاغية. ما إذا كانت رؤى كل منهما
مختلفة نوعيًا هو بالطبع سؤال آخر ، ولكن في جميع كتاباتهم ، يظهر دافع طوباوي
معين لتخيل نظام سياسي مثالي ونقي بشكل متكرر.
أحد الاختلافات المثيرة للاهتمام هو أن شريعتي لا يتحدث إلا
قليلاً عن الدولة في حد ذاتها ، بينما ركز نواب صفوي والخميني بشكل مباشر على
سلطات وواجبات الدولة القومية الحديثة (الحكم) ، وإن كان ذلك بعبارات عامة إلى حد
ما. إعادة فكرة شريعتي في التسلسل الهرمي
والنظام يتجلى في شكل الحزب والكادر والمفكرين المحاربين المستنيرين الذين مهمتهم
إنقاذ الجماهير ، وربما حتى على الرغم من أنفسهم. أولئك الذين يظلون غير مستنيرين
ويفشلون في الوصول إلى الوعي الذاتي تجاه مصيرهم السياسي يظلون "غير
كاملين" وبمعنى ما "مشلولون"
يعين شريعتي فلسفة أنثروبولوجية معينة ، أو مفهوم
"الطبيعة البشرية" ، ينسب معيارًا للسلوك البشري. أولئك الذين لا يلتزمون
بهذه القواعد أو يتصرفون بالطريقة التي تنص عليها يعتبرون ناقصين أو غير مكتملين
في الأساس. إن تطلع الإنسان إلى المدينة الفاضلة في فكر شريعتي هو أحد السمات
الرئيسية التي تفصل الإنسان عن بقية مخلوقات الله.
نقطة أخرى ذات صلة يجب وضعها في الاعتبار هي أن شريعتي كان
جديدًا في ذلك الوقت من حيث ثقافته وتأثيراته الفكرية. على عكس الإسلاميين
الإيرانيين الآخرين ، كان رجلاً عاديًا لم يلبس العمامة مطلقًا ولم يزعم أبدًا أنه
يتحدث نيابة عن رجال الدين أو يمثلون مصالحهم. في الواقع ، كانت العديد من
تصريحاته رافضة - بل غالبًا ما كانت مليئة بهجمات محددة - رجال الدين التقليديين ،
الذين اعتبرهم رجعيين تمامًا واعتذاريًين للوضع الراهن.
على الرغم من بعض المحاولات ما بعد الثورة لتصوير شريعتي
كمدافع ملتزم عن ولاية الفقيه ، فإن المرشدين والمنقذين الذين كان يدورون في ذهنه
في الواقع كانوا أشخاصًا مثله إلى حد كبير ، أو مثقفين أو مفكرين. يتم تقديم هؤلاء
المثقفين كبدائل صريحة لرجال الدين ، الذين لم يعملوا في خدمة الأنظمة الاستبدادية
عبر العصور فحسب ، بل قدموا أنفسهم زورًا على أنهم الوسطاء الوحيدون الحقيقيون
والشرعيون بين الله والمؤمنين.
في مناسبات عديدة ، ندد شريعتي بأقوى العبارات برجال الدين
باعتبارهم علامة على الرجعية والاستبداد. في مقالته (العودة إلى الذات) ، على سبيل المثال ، يقول ،
"استبداد رجال الدين هو أشد أشكال الاستبداد ضرر في تاريخ البشرية". هذا
الخطاب المعادي للإكليروس سيظهر مرة أخرى سياسيًا في خطابات مجموعات مثل مجاهدين خلق (بعد يونيو 1981) ، و الفرقان ، وهي المجموعة السياسية الأولى التي تم حظرها
بعد الثورة . سخرية
شريعتي من رجال الدين لم توقفهم من استيعاب العديد من أفكاره إلى حد زيادة شعبيتهم
ودعم جهودهم المتضافرة لتعبئة معظم الناس لصالح أهدافهم الأيديولوجية والسياسية.
يصبح مفهوم شريعتي النخبوي للطليعة الفكرية أو "المثقف
المحارب (المجاهد)" ذا صلة هنا. غالبًا ما يصور المفكرين المحاربين على أنهم مجموعة
تجسد طبيعة الإنسان الحقيقية ومصيره السياسي ، يسلط الضوء على الظلام الذي يحيط بالجموع
الكادحة. وبواسطة التدخل الخيّر للمثقفين المحاربين،سيتم نقل وعي ذاتي جديد وشكل
من أشكال الخلاص "الدنيوي" للجماهير ، والتي بدونها كان هؤلاء سيظلون مصابين
بالعمى بسبب جهلهم الراسخ. المحارب المثقف هو الخليفة الحقيقي للنبي والوريث
الشرعي لإرثه . كانوا أكثر من مجرد ثوار خاملين في نظر شريعتي. كانوا محاربين
مستعدين للقتال باسم العدالة وتأسيس "نظام توحيد" .
كان خطاب شريعتي الخاص بالانتفاضة الثورية والكفاح المسلح
جزءًا من تحول سياسي وفكري أوسع بدأ يكتسب أرضية بين النشطاء السياسيين والمثقفين
بعد يونيو 1963 ، في أعقاب الثورة البيضاء وقمع الشاه للاحتجاجات اللاحقة. . هذا
التحول البارديغمي ، بقيادة عدد من الرجال والنساء الناشطين سياسياً ، بمن فيهم
مؤسسوا مجاهدي خلق ، حرض الكثيرين على الانفصال عن جماعات مثل حركة تحرير إيران (LMI) وفكرة الإصلاح السياسي السلمي من الداخل الذي وضعت معاييره من
الشاه وخسرت فرصة تحقيق أهدافها.
دعم فكرة الكفاح المسلح ، باعتباره البديل الوحيد المتبقي ،
وحّد مؤيدين بشكل كبير ، وكان نفسه تحت تأثير تطورات الأحداث الدولية والمثقفين
الذين دافعوا عنها ، ويأتي على البال أمثلة مثل ، حرب الاستقلال الجزائرية
والمستنقع الأمريكي في فيتنام. لقد استحوذت المقاومة المسلحة للتغلغل الإمبريالي
وقدرة العالم الثالث على تقديم حلول عادلة ومحلية للممارسات الظالمة والاستغلالية
الاستعمارية في وقت واحد على اذهان شريحة ضخمة من المثقفين الإيرانيين ، تمامًا
كما استحوذت على اذهان العديد من الأعضاء. من المثقفين والمتعلمين في جميع أنحاء
العالم النامي.
في ذهن شريعتي ، ينشغل المثقفون المحاربون أولاً وقبل كل
شيء بالأفعال وليس التأمل ، وتحديداً بإقرار العدالة في الحاضر ، مثل النبي محمد
نفسه عندما شرع في مهمته النبوية .وفقا لشريعتي هناك إسلام يتخذ شكل "أحكام
ومراسم وطقوس عبادة غير مستنيرة موروثة " وإسلام آخر يتطلب خبرة علمية وتقنية
أو "إسلام فني" ينتمي الإسلام الأول إلى المؤمن بالوراثة الذي لا يفكر
ولا ينتقد ، والثاني لرجل الدين المهووس بالقواعد.
شريعتي يرفض كلاهما لصالح إسلام المحارب المفكر. إسلام
المفكر المحارب هو "نور" ينير قلب المرء. هذا الإسلام ليس شكلاً من أشكال
"الوعي التقني" ، كما يقول لنا ، بل هو الذات الطبيعية أو الفطرية. - ،
والذي يشرع بعد ذلك في تحديده بـ "التنوير" ، و "التعرف على الطريقو
"علم الإرشاد" "المسار
الصحيح" أو "المجتمع العادل" الذي سيقود إليه محاربو شريعتي
الملتزمين الجماهير المضطهدة غالبًا ما يظل غامضًا. كثيرا ما يصفها بصفات مثل
"عادل" و "متحرر" دون الخوض في مزيد من التفاصيل. في مرحلة ما
، على سبيل المثال ، تحدث بازدراء عن مصادر "التغريب" وتأثيرها السلبي على الثقافة الإسلامية
الإيرانية:
إنهم [الغرب] قد لوثوا عالمنا برأسماليتهم وديننا بكنائسهم!
إنهم يعلمون حداثييننا الغندقة والرقص وحفلات الكوكتيل وشرب الخمر والحريات
الجنسية فقط باسم الحضارة .... لقد أيقظوا ببطء أعماق قلوبنا وعقولنا وإيماننا
العقلاني والتقدمي والعملي والدين الانساني. لقد حجبوا وأفسدوا كل ما كنا نعتز به
من قبل: الروح ، والشفاعة ، والدعاء ، والوصاية ، والاستشهاد .
ما هو مفهوم إلى حد ما هو أن شريعتي طالب باحترام والالتزام
بمجموعة من القيم السياسية ، والتي رغم أنها ترتكز بالتأكيد في بيئة رمزية ثقافية
تعتمد على الشخصيات العظيمة والأساطير في التاريخ الإسلامي المبكر ، إلا أنها لم
تتجاوز قليلاً الشعارات البلاغية. بينما كان يشوه سمعة الغرب باعتباره تأثيرًا
مفسدًا ويندد بالممارسات الثقافية وأنماط الحياة الغربية ، كان شريعتي نفسه في
عبودية المشهد الفكري الغربي ، وخاصة الباريسي كامو وسارتر وفانون والعديد من الأيديولوجيين
والمنظرين الماركسيين.
ربما لن يكون من المبالغة القول إن تصوير شريعتي للتشيع
يرجع في الواقع إلى الأفكار المهيمنة للوجودية الفرنسية ، و "العالم
الثالث" لفانون ، وتمرد كامو ، أكثر من تلك المصادر التي كانت العمود الفقري
التقليدي للشيعة. لم يكن دور المثقف المحارب هو الإسراف في التفكير في هذه القيم
ولكن بتجسيدها بجرأة ، ليس لأنه قد عقلنها ويمكنه دعم موقفه بمجموعة من الأسباب
الصحيحة والمبررة معرفيًا ، ولكن لأنه شعر وتوق بشدة لمثل هذه القيم. إدراك على
مستوى طبيعته الأعمق. وقد تجسد هذا الموقف بشكل أفضل في رفيق النبي أبو ذر ، الذي
صوره شريعتي في كثير من الأحيان على أنه اشتراكي أولي .
يتحدث شريعتي عن فترة انتقالية يختار فيها المجتمع المسلم
القادة الذين يجسدون المثل الثورية للمجتمع بشكل أفضل. تختار الأمة شهيدها،رمز كل
قيمها السامية والمثالية ، كقائد ،وتصل هذه المرحلة إلى حد أن يمثل كل عضو في
الامة هذا الشهيد, حتى يصبح كل فرد قادر على تولي هذا الدور القيادي ، ويمكن لكل
فرد داخل الأمة أن يكون شهيدًا في قضية الناس .... كل فرد في مجتمع محمد هو قائد
للناس ".
إن مسألة كيفية تحديد الإجراء أو الآلية التي سيتم من
خلالها تمكين أفراد المجتمع أو إحداث ثورة فيهم بشكل كافٍ للشروع في استشهادهم من
أجل الصالح العام لم يتم تناولها من قبل شريعتي. وهكذا ، كما في حالة الوعود
الماركسية "بتلاشي" الدولة في نهاية المطاف مع تفكك دكتاتورية
البروليتاريا ، يُترك المتشكك ليتساءل عما إذا كان يوم الانتقال إلى "مجتمع
متحرر" حقًا سيأتي بالفعل. في حين أن الإمامة مقبولة على أساس "أصالة
فكرها" و "حقيقتها العقائدية" مع أدلتها الذاتية الواضحة في سياق
الاضطرابات الثورية
في مقالته "الأمة والإمامة" (المجتمع والقيادة) ،
يتحدث شريعتي بصراحة عن "دكتاتورية البروليتاريا" الماركسية وما يصاحبها من كراهية تجاه الليبرالية و
"الحرية الديمقراطية الغربية". ينتقد
المثقفين الإيرانيين الذين لا يزالون عالقين في التأكيدات القديمة لليبرالية في
القرن التاسع عشر ويتجاهل الانتقادات التي تعرض لها بسبب إدانته للديمقراطية
والدفاع عن "القيادة الملتزمة أيديولوجيًا" بالنسبة له,الليبرالية و
شعاراتها لحرية التعبير والانتخابات الحرة تضعف جبهة المعركة إن الحياة التي يجب
أن يعيشها أعضاء الأمة ليست حرة ومقيدة ، ولكنها متحدة ومسؤولة . وهذا تكفله
بالنسبة لشريعتي فكرة الإمامة ، القيادة المجتمعية ، التي أصبحت على الأقل خلال
هذه المرحلة من حياته المهنية مرادفة للكادر المستنير السالف الذكر من المثقفين
الثوريين.
كما يؤكد شريعتي في عدد من المناسبات ، فإن الإمام إنسان ،
لكنه يعمل كنموذج أو نموذج يجب أن يكون نموذج لأعضاء الأمة. وإذا اعتبر شخص
ما نفسه جزءًا من المجتمع- الأمة - فيجب عليه قبول القيادة. يتضح تدريجياً أن
شريعتي يدافع هنا عن نظير شيعي لـ "دكتاتورية البروليتاريا" الماركسية
اللينينية ، أو على حد تعبيره ، "ديمقراطية موجهة" والتي بموجبها تحكم المجتمع نخبة صغيرة أو ربما
حتى رجل واحد .
في مرحلة ما ، أشار حتى إلى الفيلسوف الألماني فريدريك
نيتشه ونظرية Übermensch أو "سوبرمان" كدليل على حاجة البشرية المتكررة لرجال
عظماء لقيادة الجماهير باعتبارها مظهرًا من مظاهر "السمو المقدس" على
الأرض وإيقاظهم من لامبالاتهم المتحجرة والرضا عن الحالة المتدهورة لحياتهم
الرديئة. ثم يذهب لينسب اقتباسًا إلى كاتب
المقالات والساخر الفيكتوري توماس كارلايل ، مشيرًا إلى أن "التاريخ يتكون من
خلق أبطال تاريخيين من خلال متوسطي القدرات ، ولولا هؤلاء الأبطال متوسطي القدرة
لما امتلك المتوسط شيئًا سوى وجود رتيب وحشي "
الفرد لا يعول على أي شيء في هذا الرأي. الفرد هو مجرد علف
لرجال التاريخ العظماء ، الذين هم أنفسهم صانعوا التاريخ وحكامه. على نفس المنوال
، وعلى الرغم من رفضه في وقت سابق في النص بوقاحة لمفهوم الصوفية للفناء أو
"الفناء" في الله ، فإن شريعتي - دون اعتبار لفصله السابق - يستدعي
المفهوم الصوفي للإنسان الكامل ، أو " رجل المثالي." دعماً لحجته لـ
"الرجال العظماء" كنماذج للمحاكاة. ومن المفارقات أنه في هذه الصفحات
يعيد إنتاج نفس الانقسام بالضبط بين "المحاكاة" و "المحاكي"
الذي دافع عنه الأصوليون وعلماء الشيعة في عصره - وهو تقسيم في مظهره ديني ، والذي
بذل شريعتي قدرا كبيرا من الوقت والجهد في نقده والسخرية منه.
تشهد مثل هذه الحجج بوضوح على نخبوية شريعتي الروحية
والسياسية الضمنية والصريحة ، والتي تتماشى تمامًا مع دفاعه الواعي عن امتياز
القيادة الثورية في تنفيذ برنامجها الأيديولوجي الثوري بشكل حاسم بغض النظر عن
التقاليد والأهواء المتقلبة للقاد. يخبرنا شريعتي أن القيادة ليست ملزمة بوجهات
نظر وآراء الأغلبية. [58) "الديمقراطية الموجهة" لشريعتي ، مثل تيتو في
يوغوسلافيا أو إندونيسيا في سوكارنو ، ستكون دولة الحزب الواحد أو تعيينًا مدى
الحياة لزعيم الثورة ، رافضة "الليبرالية والديمقراطية الغربية الحرة".
هذا لأن الناس،الذين يقارنهم بسعادة بالخراف ، سيتبعون أينما تقودهم بطونهم. بدون
اليقظة الأيديولوجية اللازمة ، سوف يسحر الناس ويذهلهم "تعويذة المال" و
"السحرة الديماغوجيين" ورجال الدين. بسبب هذا النقص الخطير في الثقة في
قدرة الجماهير على تحسين أوضاعهم ، فهو يرى أن حق التصويت التي تضمنه الديمقراطيات
الليبرالية الغربية لا يختلف بكثير عن حق الفقير لأكل وجبة الأبغشت" (aray-e azad-e abgushti) - وهو طبق إيراني تقليدي من اللحوم والبطاطس والحمص ، التي
تؤكلها عمومًا الشرائح الأفقر في المجتمع.
يجب أن تستمر القيادة الثورية لعدة أجيال حتى يتم الوصول
إلى المستويات المطلوبة من "الوعي الذاتي" ثم بالتدريج ، مع استيعاب
المزيد والمزيد من الناس للرسالة الثورية للقيادة ، سيتم توسيع حق الاقتراع للسماح
لهم بالتصويت . مرة أخرى ومن المفارقات إلى حد ما ، وجد شريعتي نفسه يردد الحجج المماثلة
التي طرحها عدوه، الشاه ، وإن كان هذه المرة في الدفاع عن الاستبداد الأبوي
والخير. كانت القيادة الثورية هي البديل السياسي الوحيد الممكن الذي يمكن أن يحطم
ويعيد بناء مجتمع "رجعي" و "تقليدي متخلف" مثل إيران
يظهر شريعتي الثقة عندما يعلن أنه في ظل "القيادة
العظيمة والسامية" سوف يتجه المجتمع نحو "الكمال المطلق" ، "المعرفة المطلقة" "الوعي الذاتي المطلق" ، واكتشاف
"القيم المتعالية" "الأمة هي مجتمع يتحول إلى شيئ ابدي ، نحو
التعالي المطلق!" هذا "التعالي المطلق" ليس إلا الله نفسه .يصبح
الله بالنسبة له هو العملية الثورية نفسها ، والتي تؤدي في ظروف غامضة إلى شيء
يسميه "الخلود" (العبادات) و "المطلق" ، في عملية
"التطور اللانهائي" يجب تدمير وإدانة تلك التقاليد وطرق التفكير التي
تعزز الركود وتعيق التقدم. هناك القليل من التفصيل حول كيفية تقييم هذه العملية
وما إذا كان يمكن أن تنحرف.
يدرك شريعتي أن الإمامة تقود المجتمع نحو
"الخلود" أو "الكمال" وأنه ليس تحولا يتجسد بسهولة أو
تلقائيا. وهو يقر بأن هذه هي الأهداف التي تطمح القيادة الثورية إلى تحقيقها وتسعى
جاهدة لتحقيقها في المجتمع. ولكن ما هي معايير عملية صنع القرار في تشكيل هذه المدينة
الفاضلة أو الشروع في عملية تحقيقها؟ ما هي القيم التي يجب على القيادة الالتزام
بها في عملية الكشف عن "القيم المتعالية"؟ ما هي السياسات التي يمكن أن
تؤدي إلى نظام اجتماعي سياسي يُقال إنه يجسد "السمو المطلق"؟
تشرع القيادة في تنفيذ برنامج ليس على أساس "المصلحة
العامة" ولكن على أساس "الحقيقة" - "الحقيقة التي تظهرها
الأيديولوجيا والعقيدة التي يؤمن بها أفراد الأمة". يقول إن أهداف القيادة مبنية على مبدأ "ما
يجب أن يكون" . القيم في معيار تحديد الاحترام الذي ينبغي أن تحظى به ، وتطغى
على جميع الاعتبارات الأخرى. إن مدحه للقناعة والقيادة الثورية يتنازل عن قضايا
الحوار والقبول ، وبدلاً من ذلك يدمج العمل السياسي الدنيوي من جانب النخبة
الفكرية المحاربة التي توجه الأمة بإحسان باسم "مصلحتها" كما يعرّفها ،
مع البناء. مجتمع مثالي أو طوباوي ، وحتى مع عملية أن يصبح الله هو نفسه. في
العملية الثورية ، يتأصل المتعالي ويصبح جوهريًا في العلاقات والعمليات الاجتماعية
والسياسية.
يبدو أن هناك مساحة صغيرة لتقوم الثورة بتقييم نفسها ، لأن
شريعتي يرفع الالتزام بقيم الثورة مما يطغى على جميع الاعتبارات الأخرى. إن مدحه للإيمان
والقيادة الثورية يتنازل عن قضايا الحوار والقبول ، وبدلاً من ذلك يدمج العمل
السياسي الدنيوي من جانب النخبة الفكرية المحاربة التي توجه الأمة بإحسان باسم
"مصلحتها" كما يعرّفها ، مع البناء. مجتمع مثالي أو طوباوي ، مع عملية
أن يصبح هو نفسه الله. في العملية الثورية ، يتأصل المتعالي ويصبح جوهريًا في
العلاقات والعمليات الاجتماعية والسياسية.
وفقًا
لفرزين فاهدات, فإن هذه الرؤية السياسية تنسب إلى حد كبير لرؤية شريعتي للوجود
البشري باعتباره "رحلة" أو "حركة" نظرية ، وهي رحلة يبدأ فيها
البشر كـ "مادة" ويصعدون تدريجياً إلى مستوى الروح الإلهية. ولكن كيف
تشارك العلاقات الإنسانية الروتينية والتنظيم السياسي والنشاط الدنيوي في اجتياز
وتحقيق مثل هذه "الرحلة النظرية. تلعب الأيديولوجيا دورًا طوطولوجيا في هذه
المعادلة. -ما هو صحيح هو الأيديولوجية والأيديولوجية هي ما هو صحيح-. علاوة على
ذلك، لا توجد قدرة على النقد،لأن النقد أيضًا ، افتراضيًا ، يفتقر إلى الالتزام.
هذا ليس سوى جزء واحد من الإرث الفكري والسياسي لشريعتي، والذي سيستمر بلا شك في
إثارة نقاش حاد.
مصدر
https://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/tehranbureau/2011/10/ali-shariati-and-the-ideologization-of-religion.html