الخميس، 7 مايو 2015

موجز الثقب الاسود


-من محاضرات ستيفن هوكينق



 الكوسمولوجي ستيفن هوكينق



يقال احيانا بأن الحقيقة اغرب من الخيال,ولا تَصّدق هذه العباره على امر اكثر من قضية الثقوب السوداء.

الثقوب السوداء اغرب من اي شيء قد يحلم به كاتب خيال علمي,لكنها سؤال علمي قطعاً-حقيقي.في عام 1970 كان هناك فلم يتحدث عن الثقوب السوداء,اُرسلت مركبة فضائية لتحقق من الامر.لم يكن فلما جيداً لكنه حمل في طيته نهاية مثيرة للاهتمام,بعد ان داروا حول الثقب الاسود قرر احد العلماء ان الطريقة الوحيدة لاكتشافه هي في السقوط داخله,فركب مسباره و قفز باتجاهه,بعدها خرج الـى عالم جديد !  وكان هذا من اقدم الامثله على صورة الثقوب السوداء في الخيال العلمي,لقد استخدموا الثقب الاسود كـ ثقب دودي,اقصد كطريق من عالم إلى مكان اخر في الكون.. لو وجدت مثل هذه الثقوب الدوديه ستكون طريقا مختصراً للسفر عبر النجوم...خلافا لذلك سيكون السفر بطيئا وممل لاننا مضطرين للحفاظ على السرعه الاقصى "الاينشتانية" والبقاء اقل من سرعة الضوء.

في الواقع لم ينبغي ان نكون متفاجئين من كتاب الخيال العلمي,ففكرة الثقب الاسود وُجدت في المجتمع العلمي لاكثر من 200 سنة . في 1783 ,جون ميتشيل كتب ورقة حول ما اسماه "نجوم سوداء".واشار بأن اذا كانت نجمة ضخمه و منضغطه بما فيها الكفاية سيكون لها مجال جاذبية كبير حيث لن يهرب منه الضوء.فأي ضوء يبعث من سطح النجم سيجره المجال الجذبوي مره اخرى قبل ان يذهب بعيداً .. جون ميتيشيل اقترح بوجود عدد كبير من هذا النوع من النجوم .على الرغم من عدم مقدرتنا رؤيتهم , لان لا ضوء يصل منها, لكننا نستطيع ان نشعر بها بسبب جاذبيتها.. جسم كهذا هو ما نعني  به "اليوم" كـ ثقب اسود,فراغ اسود في الفضاء.واقتراح شبيه مثير للاهتمام اقترحه الفرنسي لابلاس ايضا.


ميتيشيل ولابلاس كلاهما كان يفكر بالضوء كـ جسيمات يمكن ان تبطأها الجاذبية,ولكن تجربة شهيرة قام بها عالمان امريكيان ميكلسون و مورلي في عام 1887 اظهرت بأن الضوء يتحرك بنفس السرعه مهما كان اتجاهه.كيف يمكن للجاذبية ان تبطئ الضوء و تجعله يتراجع , كان هذا مستحيلا وفقا للافكار المقبوله حول الزمان-المكان,لكن في عام 1915 اينشتاين وضع النسبيه العامه و الخاصة فيها لم يعد الزمان-المكان كيانان منفصلان.بل اصبحوا اتجاهين مختلفين في سطح واحد سمي بالزمكان space-time .

هذا الزمكان لم يكن "مسطحاً-مستوي" لكنه يتشوه وينحني بسبب الماده والطاقة, من اجل فهم هذا تخيل طبقة من المطاط وُضع عليها "وزن" ما , وهذا يمثل الزمكان,والوزن يمثل "نجم" ما , سيتسبب الوزن بـ حني طبقة المغاط , سيصبح منحني curve بدل مستوي flat , واذا ما دحرج احدهم كريّات على طبقة المغاط هذه سيكون مسار الكريات منحني بدل ان تمشي بخط مستقيم , في عام 1919 قامت حمله بريطانية في غرب افريقيا لمشاهدة الضوء القادم من النجوم البعيدة والتي تمر بالقرب من الشمس, خلال وقت الكسوف..ولقد وجدوا بأن صورة النجوم بدت لهم كأنها نقلت قليلاً عن موقعها الفعلي , وهذا يشير الى ان مسارات الضوء القادمه من النجوم , انحنت بسبب انحناء الزمكان قرب الشمس..بهذا تم تأكيد فكرة النظرية النسبية العامة.

تخيل الان انك وضعت وزن اثقل فـ اثقل ,و اكثر تركيزا على طبقة المطاط,سوف تضغط الطبقة اكثر فـ اكثر ,بالنهايه عند الوصول لوزن و حجم حرج , ستصنع ثقب في الطبقة يمكن للاجسام ان تسقط عبره,ولايمكنها العودة.

-صورة تخيلية للثقب الاسود


مايحدث للزمكان وفقا للنسبية العامة يشبه هذا لحد ما .. النجم يتسبب بحني و تشويه الزمكان الذي حوله وكل ما ضغط حجمه الكبير كل مازاد التشوه. عندما يتوقف الوقود النووي لنجم ما, يبرد و ينكمش لاقل من حجم "حرج" و سيصنع "ثقب" في الزمكان, و لقد اعطاه الفيزيائي الامريكي "جون وييلر" الذي كان من اوائل من ادرك اهميتها و المشكلات الناجمه عنها اسم الثقب الاسود..لقد شاع الاسم سريعا, كان يدل على شيء مظلم و غامض, ولكن الفرنسين تصرفوا كلعاده "كـ فرنسين " وقاوموا لسنوات الاسم (troo noir بالفرنسي ) وادعّوا بأنه فاحش رأوا به ايحاء سيء, في النهاية اظطروا للاستسلام .

لا يمكنك ان تعرف ما بداخل الثقب الاسود من الخارج , يمكن ان ترمي تلفازا او خاتم الماس او حتى الد خصومك في ثقب اسود, وكل ما سيتذكره الثقب الاسود هو , وزنه الكلي و حالة دورانه..الثقب الاسود له حدود نسميه "افق الحدث" , وهي المنطقة التي تكون فيها الجاذبية قوية كفاية لجر الضوء و منعها من الهروب,و لان لا شيء يمكن ان يتحرك بشكل اسرع من الضوء لن يستطيع شيء الهروب.دخول افق الحدث لثقب اسود كـ الذهاب لشلالات نياقرا في زورق,اذا كنت اعلاها يمكنك الهرب اذا كنت سريعا بما فيه الكفايه, اما بمجرد وصولك للحافه فقد هُزمت,لا مجال للعودة,لانك كل ما اقتربت من الشلال يزداد سرعة التيار المائي هذا يعني قوة جر اكبر,وسيكون هناك احتمال خطير بأن زورقك سيتحطم بسبب قوة التيار,و هذا الحال ينطبق على الثقب الاسود اذا ما سقطت فيه ستتمزق و ستصبح كشرائح الاسباغيتي قبل وصولك لافق الحدث اذا ما كان الثقب يملك كتلة اكبر بقليل من الشمس...لكن اذا سقطت لثقب اسود اثقل من هذا كـ مليون مره نسبة للشمس,ستصل بسلام لافق الحدث..لذلك اذا ما اردت استكشاف ثقب اسود اختر واحداً كبيراً.

على الرغم لن تستطيع ملاحظة اي شيء حالما تسقط في الثقب..فشخص يراقبك من خارج الثقب من مسافه,لن يستطيع رؤية مايحدث بعد افق الحدث,فـ ستبهت صورتك شيئ فشيء الى ان تختفي من نظره..لا احد يستطيع ان يعرف ما يحدث داخل الثقب من خارجه,بغض النظر عن حركة دورانه و كتلته,هذا يعني ان الثقب يحتوي على كمية كبيرة من المعلومات مخفية عننا , لكن هناك حد..فالمعلومات تتطلب طاقة,والطاقة لها كتلة كما نعلم من معادلة اينشتاين E=Mc,لذلك اذا ماكان هناك معلومات كثيرة في بقعة ما في الفضاء سوف تنهار وتشكل ثقب اسود,و سيعكس حجم الثقب الاسود كمية المعلومات.الامر اشبه بوضع كتب كثيره في على رفوف مكتبة ما.بالنهايه لن يكون هناك مجال للمزيد من الكتب و سوف تنهار المكتبة لثقب اسود.

اذا ماكانت كمية المعلومات المخفية في ثقب اسود تعتمد على حجم الثقب,سيدلنا هذا على ان الثقب له حرارة و ربما يجب ان يتوهج كقطعه معدنيه مسخنه. لكن هذا كان مستحيلا لان كما يعلم الجميع فلا شيء يخرج من الثقب الاسود,او كما كنا نعتقد, لكن اكتشف هوكينق بأن جسميات يمكن ان تهرب من الثقب. والسبب انه على مستوى المقاييس الصغيرة. الامور غير واضحة بعض الشيء.ولخص هذا الموضوع الفيزيائي فيرنر هاينزبيرق عام 1923 بمبدأ "الريبة" والذي يخبرنا بأنه اذا استطعت معرفة موقع جسم ما,ستقل فرصة معرفتك لسرعته بدقة,والعكس صحيح....هذا يعني بان وجود جسيم في ثقب اسود يجعلنا نعرف مكانه,لكن بالنسبه لسرعته فلسنا متيقنين وقد يكون اسرع من الضوء,مما قد يسمح للجسيم بالفرار,وكلما كبر الثقب الاسود تصبح معرفتنا اليقنيه حول موقعه اضعف,وبذلك يكون تحديد سرعته اكثر دقه من الثقب الصغير , مما يعني احتمال اقل ان يكون لها سرعة اكبر من سرعة الضوء.

ثقب اسود بحجم الشمس , سيهرب منه جسيّم بشكل ابطأ و سيكون من الصعب تقفيه..على كل حال قد يكون هناك ثقوب سوداء صغيره قد تشكلت في وقت مبكر من الكون,ثقب اسود بكتلة جبل يمكن ان يعطي اشعة "اكس" و "جاما" بمعدل عشر مليون ميقاواط مما يكفي لسد حاجة العالم للكهرباء .

لقد بحث الناس عن ثقوب سوداء ذوات كتل صغيرة,و لم يجدوا لحد الان,وهذا امر مؤسف لانهم لو وجدوها,لحصل ستيفن هوكينق على جائزة نوبل,هناك احتماليه اخرى..اننا نستطيع صنع ثقب اسود صغير الحجم ( مايكرو-حجم ذري)..طبقا لبعض النظريات بأن العالم الذي نتعامل معه مجرد سطح رباعي الابعاد في داخل عشر او احد عشر بعد,ونحن لن نرى هذه الابعاد الاضافية,لان الضوء لا ينتشر خلالها..على كل حال يمكن للجاذبية ان تؤثر على هذه الابعاد الاضافية,بشكل اكبر من عالمنا.وهذا سيجعل صنع ثقب في الابعاد الاخرى اسهل, يمكننا تجربة هذا في مصادم الهايدرونات الكبير ( معمل ) في سيرن-سويسرا,والذي يملك نفق دائري طوله 27 كيلو ميتر,وعندما يقذف جسيمان بهذا النفق الدائري في اتجاهين متعاكسين مما يؤدي لاصطدامها و خلق ثقب اسود صغير.ومن شأن هذا الثقب ان يبعث نمطا من الجسميات سيكون من السهل ان نميزه...وبهذا يحصل ستيفن على جائزته النوبليه.

عند هروب الجسميات حول الثقب الاسود كما تحدثنا قبل,سيقل حجم الثقب ثم ينكمش,وهذا يتسبب بزيادة معدل انبعاث الجسيمات,وفي نهاية المطاف  سيفقد الثقب الاسود كتلته كاملا ثم يختفي..و ماذا سيحدث للجسيمات و رائد الفضاء غير المحظوظ الذي سقطوا بداخله؟ ..يبدو بان المعلومات التي تدخل الثقب الاسود تضيع تماماً ( لا ننسى بأن الجسيمات التي تهرب ليس لها علاقه بما يسقط داخل الثقب وهي عشوائية تماماً ). لكن اذا كانت المعلومات تضيع هذا يهز احد اهم اعمدة فهمنا للعلوم. لاكثر من 200 سنة نعتقد بالحتميه العمليه,والتي صاغها لابلاس بالشكل التالي :– اذا عرفنا حالة جسم ما في الوقت الحاضر نستطيع عبر القوانين العلمية معرفة حالتها المستقبليه  - .نابليون سأل لابلاس كيف لـفكرة الـ"رب" ان تتناسب مع هذه الصوره,وكانت اجابته بـ"سيدي,انا لا احتاج لهذه الفرضية(فرض إله)",ولا يعتقد ستيفن بأن لابلاس كان يقصد عدم وجود إله,إنما فقط لا يتدخل لكسر قوانين العلم.ولابد ان يكون موقف كل عالم طبيعه.القانون العلمي لا يكون قانونا علميا عندما يبنى على فكرة كائن خارق للطبيعة يقرر كيف تسير الامور ويتدخل بها بحسب تعبير ستيفن.

حتمية لابلاس تحتاج معرفة "موقع و سرعة" كل الاجسام في وقت ما لتحدد حالته المستقبليه.ولكن وفقا لمبدأ"الريبة" كما قلنا سابقا بأنه كل ماعرفت بدقة موقع جسم ما,فأنت تفقد معرفتك الدقيقه لسرعته والعكس.بمعنى اخر انت لا تستطيع معرفة الاثنين بنفس الوقت بدقة,وبهذه الطريقة كيف يمكنك ان التنبؤ بالمستقبل بدقة؟الاجابه هي: على الرغم بأنك لا تستطيع تحديد الاثنين معاً,الا اننا نستطيع تحديد ما يسمى بالـ"الحالة الكمومية",حيث نحسب من خلاله السرعه و الموقع لدرجة معينة معلومه من الدقة.ما زلنا نستطيع ان نعتبر الكون حتمي,بمعنى انه اذا كنا نعرف حالة كمومية في وقت ما,القانون العلمي سيساعدنا بالتنبؤ بحالته المستقبليه.

لكن اذا فقدنا المعلومات فلن يكون لنا القدرة على التنبؤ بالمستقبل لان الثقب الاسود يمكن ان يبعث اي جسيم عشوائياً.قد يبدو لك بأنه لا معنى من هذا النقاش بما اننا لا نملك ثقب اسود نختبره.لكن هي مسألة "مبدأ" اذا كانت الحتميه تكسر عند الثقوب السوداء,كذلك يمكن ان تكسر في حالة اخرى.

ولذلك فمن المهم معرفة اذا ماكانت المعلومات تضيع ام لا,او اذا كان يمكن استعادتها مبدئيا.الكثير شعروا بأن على المعلومات ان لا تضيع..الجدال استمر لسنوات و اخيرا اعتقد بأن الحل يكمن في اجابة ريتشارد فاينمان,"بأنه لا يوجد تاريخ محدد إنما احتمالات عديده..بهذه الحاله يوجد نوعان من التاريخ..احدها فيه ثقب اسود حيث تسقط به الاجسام..وفي الاخر لا يوجد ثقب اسود"..ما يحاول ان قوله (*ويبدو بأن الموضوع تعقد) بأننا لا نستطيع من الخارج معرفة اذا ماكان هناك ثقب اسود ام لا,فاحتمالية بانه لايوجد مفتوحة دائماً..مما يبقي فكرة الحفاظ على المعلومات,لكن حتى لو تم الحفاظ عليها فلن تكون في شكل مفيد..الامر سيبدو كحرق موسوعة,سيبقى الدخان والرماد لكن سيصعب قراءتها.لقد راهن ستيفن وكيب ثورن,جون بريسكيل على ان المعلومات تضيع.لكنه اكتشف بأن المعلومات قد يتم الحفاظ عليها.


ملخص الحديث:أن الثقوب السوداء ليست سوداء تماماً,وقد يمكن لشيء الهروب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق